تدور أسئلة كثيرةٌ في ذهن كل إنسانٍ منا عن النوم ، وهذا المقال هو عبارةٌ عن مجموعةٍ من الإجابات على بعض هذه الأسئلة ، وإن كنا نقرُّ بدايةً أنه بالرغم من كل التقدم العلمي والبحثي في الطب النفسي فما تزال أسرار النوم أكبر بكثير مما عرفناه
ويمكننا تعريف النوم بأنه حالة منتظمة متكررة للكائن الحي تتميز بالسكون الظاهر والنقص الكبير في إحساسه بالبيئة المحيطة به مقارنة بحالة الصحو ، ويستخدمُ لفظُ النعاس لغويا أحيانا بمعنى النوم نفسه وأحيانا بمعنى الرغبة في النوم أو الحاجة إليه والإغفاءة يقصد بها نوم قصير في مدته وأحيانا في وقت غير الوقت المتعارف عليه للنوم كنوم الظهيرة مثلا ؛
ويختلف النوم والنعاس والإغفاءة عن الغيبوبة في أن الحالات الثلاثة الأولى حالات طبيعية للكائن الحي وأما الغيبوبة فليست كذلك وتنتج عن اختلال في وظائف المخ لأسباب مرضية أو تناول عقاقير معينة 0
أما عن كم ساعة من النوم يحتاجها الكائن الحي ليضمن راحة جسده ونفسه؟ فهناك اختلافات فردية كبيرة بين الناس ولكن المعروف طبيا هو أن الطفل الرضيع ينام أكثر من 17 ساعة يوميا وتكون كثافة نوم حركة العين السريعة عنده كبيرة جدا مقارنة بالشخص البالغ الذي ينام عادة ما بين 6 إلى 8 ساعات يوميا في المتوسط ويشكل نوم حركة العين السريعة ربع هذه المدة تقريبا وأما في كبار السن فإن عدد ساعات النوم يقل كثيرا وخاصة أثناء الليل كما أن عدد مرات الصحو خلال الليل يزيد مع العمر0
وبالرغم من ذلك فإن هناك أطفالا ينامون أقل وهناك من ينامون أكثر ونفس الكلام ينطبق على المراهقين وعلى كبار السن ، أي أن حاجة الإنسان للنوم تختلف باختلاف السن كما أنها تختلف باختلاف المناخ والمحيط الاجتماعي بوجهٍ عام.
أما عن الشكوى من فقدان النوم لخاصية من أهم خواصه وهي الإحساس بالراحة بعد قسط كاف من النوم ، فهذه الشكوى كثيرة الحدوث وعندما لا يكون لها سبب مرضي عضوي واضح فإن هناك الكثير من الأسباب الطبنفسية لذلك فمريض القلق مثلا يجد صعوبة كبيرة في الدخول في النوم أي أن الأرق يحدث عنده أول الليل كما أنه غالبا ما يستيقظ عدة مرات أثناء الليل وكثيرا ما يحلم أحلاما مزعجة ثم أنه يجد صعوبة في الاستيقاظ في الموعد المفروض مثلا في الصباح وهكذا يشكو مريض القلق من عدم الإحساس بالراحة بعد النوم ، أما مريض الاكتئاب فغالبا ما يصحو من نومه قبل الموعد المفروض أو المعهود بساعتين أو أكثر ويحس في تلك الفترة بأنه لا قادر على النهوض من سريره ولا قادر على الاستمرار في النوم ! وتهاجمه الأفكار السوداء في ذلك الوقت بالذات ! ويكون الشعور بأن النوم لم يكن مريحا أمرا متوقعا بالطبع.
في المثالين السابقين تكلمت عن اثنين من أكثر الاضطرابات النفسية تأثيراً على النوم لكن هناك اضطرابات نفسية خاصة بالنوم بعضها مشهور لأنه منتشر ، وبعضها مشهور لطرافتهِ فمن النوع الأول لدينا نوبات الفزع الليلي في الأطفال حيث يهب الطفل في سن 3-9 سنوات من نومه مفزوعا صارخا وفي حالة من الرعب لا يفيد معها حضن الأمِّ ولا صياحها غضبا لعدم استطاعتها تهدئة طفلها ثم بعد دقائق معدودة يعود الطفل إلى نومه وغالبا ما يصحو في الصباح غير متذكرِ لما حدث !
وهناك أيضا التبول الليلي اللاإرادي والكابوس الليلي وهو حلم مزعج يتذكره الطفل في الصباح على عكس ما يحدث في حالات الفزع الليلي
ومن النوع الثاني لدينا الكلام أثناء النوم والتجول أو المشي أثناء النوم (السرنمة) وأما الكلام أثناء النوم فإنه يحدث في نسبة تصل أحيانا في بعض الدراسات إلى 5% وبالطبع يحدث خلال فترة معينة من حياة الإنسان يكون معرضا فيها لضغوط نفسية شديدة ! و يحدث لبعض الطلبة أيام الامتحانات مثلا ولكنه لا يعنى حالة مرضية ولا يحتاج في أغلب الأحوال إلى علاج !
وأما المشي أثناء النوم أو السرنمة فإنه اضطراب قليل الحدوث نسبيا وفي بعض الحالات يكون نتيجة نشاط كهربي غير منتظم للفص الصدغي في المخ وفي أحيان أخرى يكون سببه نوع من الهستريا الانشقاقية حيث ينفث المريض بذلك عن بعض صراعاته النفسية الدفينة ويكون في مستوى من الوعي مختلف عن النوم وعن اليقظة أشبه ما يكون بالمنوم مغناطيسيًا ، وبالطبع لا يتذكر ما يحدث أثناء النوبة عندما يستيقظ في الصباح ولابد في هذه الحالات من عمل تخطيط كهربي للمخ وفحص الحالة النفسية للمريض
أما عن توقيت النوم المناسب ؟ فليس هناك وقت يكون النوم فيه مناسبا للساعة البيولوجية الموجودة داخل الكائن البشري من الليل وإن كان نوم القيلولة في البلاد الحارة أيضا مناسبا لكي يتجنب الناس وقت الحر الشديد والذي لا يستطاع العمل فيه !
وأما الأرق وهو أكثر الشكاوى شيوعًا فيما يتعلقُ باضطرابات النوم ؟ فلا بد من معرفة أسبابه وبعد ذلك علاجه حسب السبب فإن كان السبب مشكلة حياتية عابرة فغالبا ما لا يمتد كثيرا إلى الحد المقلق أما إذا كان السبب اضطرابا نفسيا فلابد من العمل مع الطبيب النفسي على الوصول إلى الطريقة الأنسب ومعظم الأدوية التي يبيعها الصيدلي كعقارات للنوم غالبا ما تؤدي إلى إساءة الاستعمال ثم التعود والإدمان ! كل هذا بالإضافةِ إلى عدم علاج السبب
بينما الأدوية المستخدمة في علاج الاكتئاب مثلا والتي قد يصفها الطبيب المختص لمريض يشتكي من قلة النوم بسبب الاكتئاب فهيَ تؤدي إلى تحسن النوم خلال فترة أطول نسبيا لكنه تحسن علاجي ولا ينتج عنه لا تعود ولا إدمان !
أما عن الأحلام فهي عالم فريد يدخله النائم أسراره أكثر بكثير مما هو معلوم عنه وحتى هذا المعلوم نفسه مازال مثار اختلافات وجدل بين العلماء فبالرغم من أن اكتشاف نوم حركة العين السريعة واختراع مختبر النوم الذي يسجل نشاط المخ وبقية أجهزة الجسم أثناء النوم بالرغم من أن ذلك مكن العلماء من دراسة النوم بطريقة علمية إلا أن ما تم فهمه بالفعل قليل فمثلا هناك من يتذكر أحلامه وهناك من لا يتذكر منها شيئا وهناك من نسمعه يقول أنا لا أحلم مع أن كل الناس يحلمون حوالي ساعتين أو أكثر كل ليلة نوم ! لكن ليس كل ما نحلم به نتذكره ويبدو أننا لا نتذكر إلا القليل !
هناك أيضا ما يحدث من تغير في إحساس الحالم بالزمن وبالمكان فقد ثبت أن ما يستغرق ثواني معدودة في الحقيقة يكون حلما مدته ساعات !!!
ومألوف أيضا أن يستطيع الحالم فعل أشياء لا يستطيع فعلها وهو في حالة اليقظة وكذلك من يراهم في الحلم تكون لهم قدرات تفوق العادية بكثير ، ويتغير الزمان والمكان بشكل لا يمكن أن يحدث في حياة الصحو التي نعيشها كل هذه أسرار ما تزال غير مفسرة !
ربما كان من الطرائف التي فسرت بشكل منطقي إلى حد كبير أن النائم يدخل المنبهات التي تحدث حوله في نسيج من الحلم الذي قد يبدأ فعليا عند حدوث المنبه ولكن الإنسان الحالم يحكي لك قصة طويلة وأنها حدثت منذ فترة زمنية طويلة فمثلا عندما يدق رنين الساعة لكي يستيقظ النائم في وقت معين وهو في مختبر النوم ثم يتم إيقاظ النائم الذي تجرى عليه التجربة يحكي لنا عندما يفيق حكاية طويلة عريضة عن حريق كبير في منزل مجاور وعن هبوب أخينا لنجدة جيرانه وعن تعرضه للسعات من النار ثم أخيرا يسمع صوت عربة المطافئ ثم يجد نفسه مستيقظا وصوت عربة المطافئ هو في الحقيقة صوت المنبه !!
ما حدث هنا هو أن المخ يحاول الحفاظ على النوم بكل شكل ممكن فلكي يستمر صوت المنبه في الرنين ويستمر النائم في النوم حدث الحلم ! هذه بالطبع إحدى وظائف الحلم وهناك وظائف أخرى أكثر شهرة عند الناس مثل أن يحقق النائم أمنية أو رغبة في نفسه لا يستطيع تحقيقها في حالة الصحو وكلها تفسيرات يقبلها المنطق ولا يعلم صحتها أحد غير الخالق عز وجل !
أما حكاية الحلم الملون والحلم الأبيض والأسود إذا صح التشبيه فليست بين يدي دراسات تؤدي إلى نتيجة محددة وقد يحلم الواحد بالألوان أحيانا وبالأبيض والأسود أحيانا أخرى ، وأما عن الأحلام في الشخص الكفيف فمرة أخرى أقول أن لا دراسات في هذه النقطة تحديدا بين يدي لكن الأحلام هي خيالات تنشأ في المخ ولا علاقة لها بقدرة العين على الرؤية من عدمها فالحالم يرى بعقله وليس بعينيه 0
وربما يفيد هنا أن أبين أن النوم ليس حالة واحدة كما يتضح من تخطيط النشاط الكهربي للمخ فهناك أولا نوعان من النوم أحدهما لا تصاحبه حركات سريعة للعينين ويقسم إلى أربعة مراحل الأول والثانية منها يمكن وصفهما بالنوم الخفيف والثالثة والرابعة بالنوم العميق وهناك كذلك نوم حركة العين السريعة وهو الذي تحدث فيه الأحلام بصورة أكثر بكثير من النوع الآخر ونوم حركة العين السريعة يصاحبه ارتخاء تام في كل عضلات الجسد ، وعلى العكس زيادة شديدة في نشاط عضلات العينين وتغير في الكثير من وظائف أجهزة الجسم فمثلا يحدث انتصاب في العضو الذكري في الذكور وزيادة في إفرازات المهبل في الإناث ، ويتم تنظيم الذاكرة والكثير غير ذلك !
وأما عن متى يحدث نوم حركة العين السريعة فإن المرة الأولى لحدوثه بعد الدخول في النوم تكون بعد حوالي 90 دقيقة من النوم وتتوالى بعد ذلك مرات حدوثه وتطول مدتها بالتدريج بحيث تكون كثافة نوم حركة العين السريعة أكبر في الثلث الأخير من الليل ولذلك كثيرا ما يوقظنا الأهل في الصباح ونحن نحلم !
وقد أظهرت مختبرات النوم أن النائم يمر خلال نومه بالمراحل التالية وبالترتيب التالي :
مرحلة 1 : الدخول في النوم ويشبه تخطيط الخ فيها تخطيط الإنسان المسترخي
مرحلة 2 : ويبدأ فيها التغير في النشاط الكهربي للمخ
مرحلة 3 : وفيها يبدأ ظهور ما يسمى بالموجات البطيئة
مرحلة 4 : وتكون فيها الموجات البطيئة كثيفة جدا
ثم بعد ذلك نعود إلى مرحلة 3 ثم مرحلة 2 ثم أول دورة لنوم حركة العين السريعة ثم مرحلة 2 ثم مرحلة 3 ثم 4 ثم 3 ثم 2 ثم الدورة الثانية لنوم حركة العين السريعة وهلم جرا
فيما يتعلق بالشخير فأسبابه متعددة ولكنها جميعا تنتج من انسداد مجرى الهواء لحظيا أثناء النوم ، بحيث يتوقف التنفس ففي معظم الحالات يكون الانسداد عند سقف الحلق وينتج عنه استيقاظ النائم ليعدل من وضع رأسه ثم يدخل في النوم مرة أخرى إلى أن ترتخي العضلات ويعود مرة أخرى إلى الشخير ثم الاستيقاظ وهلم جرا وفي معظم هذه الحالات ينجح جراح الأنف والأذن والحنجرة في حل المشكلة لكن هناك حالات يكون فيها انسداد مجرى التنفس في مستوى أعمق من الحنجرة أو يكون بسبب كبر حجم البطن بشكل يضغط على الحجاب الحاجز مما يؤدى إلى ضيق المساحة المتاحة للرئتين وبالتالي ضيق النفس والاستيقاظ ، ويحدث ذلك في ذوي البدانة المفرطة !
مصدر الفلة
أ.د. وائل أبو هندى